المشاركات الشائعة

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

بنات ايران

«بنات إيران» لـ: ناهيد رشلان

رواية واقعيّة عن خبايا إيران
 
بقلم هيثم حسين
 
25427 
 
ظهرت في الآونة الأخيرة روايات حالت عناوينها دون السماح بها في بعض الأماكن، كما كانت وراء ترويجها في الوقت نفسه، خاصّة روايات «البنات»، أي تلك التي ابتدأت بلازمة: «بنات …»، كـ«بنات الرياض» لرجاء الصايغ التي نالت شهرة قلّ نظيرها، رغم كلّ ما يمكن أن يقال عنها، كما جاءت روايات أخرى سعت إلى دخول مناطق معتّم عليها، منها ما جاء محاولة لإعادة تدوين التاريخ من وجهة نظر روائيّة كرواية «بنات الله» للكاتب التركي نديم غورسل الذي حوكِم في إسطنبول بتهمة التحريض على الكراهية الدينية، حيث تجمع روايته بين صوت الكاتب الذي يلقي نظرة نقدية على الإيمان ونظرة «بنات الله» وهنّ ثلاث نساء شهيرات من عصور ما قبل الإسلام إلى القرآن، ليقدّم تفسيراً مغايراً لظهور الإسلام. وهذا ما كان وراء تكفيره ومحاكمته، ذلك أنّ هناك سعياً من قوى ظلاميّة إلى إيقاف كلّ تخيّل أو اجتهاد أو تفسير أو تأويل أو إعادة محاكمة للتاريخ روائيّاً.. منها ما حاول تسليط الأضواء على بيئة بعيدة عن القارئ غريبة عليه كرواية «بنات الصحراء» لويريس دايريه وكورينا ميلبورن، ومنها ما كان دافعها إظهار واقع البنات في الأماكن التي تتناولها، بين ما كان وما هو كائن، محاولة رفع بعض الحيف الواقع على النساء فيه، ومنها «بنات إيران» للكاتبة الإيرانيّة المقيمة في أمريكا ناهيد رشلان التي تورد في مستهَلّ روايتها الواقعيّة ملاحظة تقول فيها، إنّ كتابها عبارة عن مذكّرات، وهي الأحداث التي ما زالت تذكرها، وما قيل لها عندما كانت في سنّ تسمح لها بالاستيعاب، انطلقت فيها من تجربتها الذاتيّة وما علق في ذهنها وروحها من أحداث، من دون أن تستعين بأحد، كما تقول إنّها قد غيّرت أسماء القليل من الأشخاص والمؤسّسات والأماكن للحفاظ على خصوصيّتهم. وإنّها أجرت تغييرات ثانوية واختصرت بعض الأحداث والتواريخ، توخّياً للحرص على إيراد الأهمّ.. هي بذلك تحدّد هويّة كتابها، على أنّه مذكّرات منقّحة، تكون غايتها الشهادة على تاريخ لم ينصفها والكثيرات معها ومثلها، أي أنّها تروي وقائع حقيقيّة في حلّة روائيّة، تتخفّف عبرها من ثقل كابوسيّ جثم على صدرها عقوداً طويلة، وأنهكها حتّى كان الاستشفاء بالكتابة، التي تتداوى بها، وتساهم بما يمكنها أن تساهم فيه من طروحات إصلاحيّة ممكنة.
 
 
تنقسم الرواية إلى واحد وأربعين فصلاً موزّعة على ثلاثة أقسام:«بنات إيران – أمريكا – أرض الجواهر». تقول الكاتبة عن نفسها في الفصل الأوّل: «كنتُ هدية إلى مريم قدّمتها شقيقتها الصغرى محترم. وكنت الوليدة السابعة لمحترم، والخامسة بين الأطفال الأحياء «مات اثنان». لم تحمل مريم عندما كانت متزوّجة. ثمّ مات عنها زوجها. فرجت محترم أن تتيح لها تبنّي أحد أطفالها. وعَدت محترم شقيقتها بأن تعطيها الطفل التالي. وكنت أنا تلك الطفلة».
يبتدئ الزمن في الرواية منذ ولادة الكاتبة في سنة 1946، ويمتدّ حتّى 2006، أي عند نشر الكتاب. تروي تاريخ إيران المعاصر من وجهة نظر المهمّشين، كونها نشأت في طبقة متوسّطة، كان والدها يعمل قاضياً جوّالاً، ثمّ محامياً، يكبر أمّها بعقدين من الزمن، أمّها تكون امرأة معاصرة، لم تكن ترتدي الشادور، مختلفة عن أخواتها المحافظات، ينتزعها والدها من حضن خالتها مريم في طهران، يعود بها إلى البيت في الأهواز حيث النفط والغاز والحرّ الشديد والانغلاق والتعصّب، تغدو غريبة عن الجميع فيه، تبدأ الغيرة من قبل إخوتها، تلك الغيرة التي تؤلمها كثيراً، تتحوّل في السنوات اللاحقة إلى مشاعر أخرى معاكسة تماماً. تبقى مشاعرها مرتبطة بخالتها التي ظلّت تناديها «أمّي»، في حين ظلّت تنادي أمّها بالولادة «محترم» باسمها، ظلّت حانقة عليها، لتخلّيها ببساطة عنها، ثمّ لتهميشها لها، مقابل تدليلها لأختها مانيجة، وإهمالها لباري، في حين كان الإخوة الذكور يتمتّعون بالحرّيّة المطلقة. سايرس وبرويز اللذان يسافران إلى أمريكا لإكمال الدراسة، فيتأمركان كلّيّاً ويرفضان العودة فيما بعد إلى إيران، كما كان والدهما قد خطّط لهما قبيل إرسالهما. بالموازاة مع الحديث عن سيرة العائلة فإنّها تعرّج على الكثير من المنعطفات المصيريّة التي مرّت بها إيران، كما تصف بعضها توصيفاً دقيقاً، هو توصيف الشاهد عليها لا السامع أو القارئ، ومن الأحداث الهامّة الاحتفال الباذخ الذي أقامه الشاه عام 1971م بمناسبة مرور 2500 عام على مملكة داريوس ببناء بيرسيوبوليس من جديد… ثمّ وصف حالة الناس إبّان الثورة وما بعدها..
 
 
تسرد ما جرى مع كلّ مَن تعرفهم من النساء اللائي وقعن ضحايا مجتمع مستعدّ للتضحية بهنّ كيفما كان، فأمّها تكون ضحيّة زواج مبكّر، كما ستكون بنتاها «باري ومانيجة» أيضاً ضحيّتين مثلها، تعشق الأمّ صائغاً، تتخيّل الكاتبة ما يمكن أن يكون قد وقع بينهما، كما تقع باري ضحيّة تفكير والديها، اللذين يختاران لها رجلاً ثريّاً «طاهري»، ويرفضان تزويجها من الشخص الذي أحبّته «مجيد» الذي تجدّد علاقتها به بعد زواجها من طاهري، تطلب الطلاق بعد إنجابها طفلاً، يؤخذ منها، ثمّ تتزوّج بعد سنين زوجاً آخر «منصور»، لكنّها تبقى على علاقتها مع «مجيد» الذي يخيّب أملها، تتماهى باري مع الشاعرة الإيرانيّة فروغ فرخزاد الثائرة على القيم البالية البليدة/ التليدة، المتمرّدة على تسليع المرأة وتشييئها، كأنّها كانت تعيد سيرة حياتها، حيث الزواج والطلاق والسعي وراء الابن في المحاكم، ثمّ الموت المفتعل الذي يضع نهاية لحياة مؤلمة، كما أنّها مثلها تماماً، تكون مهجوسة ومسكونة بعشق التمثيل والسينما والأفلام الأمريكيّة، تقوم بالتمثيل في إحدى المسرحيّات في المدرسة، ثمّ يمنعها والدها من التمثيل، كما يمنعها زوجها أيضاً فيما بعد.. يكون تماهيها مع الشاعرة الإيرانيّة الكبيرة فروغ فرخزاد «1935-1967» واضحاً، ذلك عندما تلهج باري بقصائدها، تنثرها وتقرؤها وترسلها. حتّى في موتها تماهت معها، تقول ناهيد عن ذلك: «فقدت توازنها. راودتني أفكار مزعجة بأنّ الحادث كان مقصوداً. فقد كانت باري تتماهى مع فروغ فرخزاد، وتعتقد أنّ الشاعرة قتلت نفسها لأنّها لم تعد تحتمل ظروف حياتها».ص263. يكون المجتمع الذي يعتمد الاحتفاظ بالأحكام المسبقة قاسياً مع النساء، تقول الكاتبة: «كانت النساء القليلات اللواتي حقّقن نجاحاً في الفنون، مثل المغنّيتين الشهيرتين غوغوش وهايدا، والممثّلة إغداشو، والشاعرة فروغ فرخزاد، يوصَفن بالانحلال الخُلقيّ». ص237. أي يكون هناك تناقض سافر بين القول والفعل، تصف الحرّيّة الجزئيّة التي يتمتّع بها البعض في طهران بأنّها شكليّة وسطحيّة تفتقر إلى الجوهر، ألا وهو التحرّر من الداخل. تتقاطع ميتات النساء الناشطات في مجال حقوق المرأة في إيران، فالآنسة سالمي تقضي في حادث سيّارة، بدا من تدبير الاستخبارات. وكذلك أخريات لاقين المصير نفسه.
 
تنتقل ناهيد من طهران إلى الأهواز، تتفوّق في دراستها، تعاند والدها، لا ترتضي بالمصير المحتّم عليها، تتذكّر مقولة «مريم» بأنّ القدر مكتوب على الجبين، وأنّ النساء يعملن للآخرة التي تكون أهمّ من الدنيا، تدرك فيما بعد أنّ ذلك يكون قناعاً يتقنّعن به ليخفين ويكبتن مشاعرهنّ ورغباتهنّ، لكنّها تسعى إلى المستقبل لتغيّر قدرها، تخوض مغامرات عاطفيّة تخلّف كثيراً من الكلام حولها، عندما تخرج في الأهواز مع شابّ إنكليزيّ، بعد عدّة مرّات تبادلا فيها النظر.. تنتزع موافقة والدها على السفر إلى أمريكا، بعد تفوّقها في مدرسة تحرص معظم الطالبات فيها على الاقتران بزوج ثريّ تختاره العائلة لهنّ، وبعد إرسالها العديد من الرسائل لأخويها في أمريكا حيث ساهما في تأمين منحة دراسيّة لها في إحدى الجامعات الأمريكيّة.. تتحدّث عن ازدواجيّة أمريكا في التعاطي مع إيران، ذلك في أكثر من موقف، منها، عندما يرسلها والدها إلى صديقه الصيدلانيّ «بوروجردي» الذي يصرف العملة، يفرح من أجلها، حيث تمرّ في اللحظة نفسها مظاهرة تدعو إلى فتح أبواب السجون وإطلاق السجناء، كما تدعو إلى إسقاط الشاه عميل الأمريكان الذين ينهبون النفط الوطنيّ، حيث يقول عن أمريكا: «الأمريكيون يستغلّوننا ويعطون الشاه الكثير من السلطة، مع ذلك فإنّ أمريكا تقدّم الكثير لفتاة شابّة مثلك». ص151.
تكون ناهيد متمرّدة على التقاليد التي تنال من قيمة المرأة، كانت ترى في الشادور حجاباً للعقل قبل الشكل، لم تكن ترتدي الشادور في إيران، لكنّها عندما سافرت إلى أمريكا تفاجأت بطلب عميدة الجامعة منها أن تلبس الزيّ التقليديّ في بلادها في حفلة الجامعة، وجدت نفسها مرغمة على أن تتقمّص شخصيّة غير شخصيّتها، أي وقعت رهن النظرة المسبقة، التي أبقتها رهين عادات وتقاليد لا تؤمن بها، وجدت نفسها تحضر القداديس في الكنيسة، تتلقّى العظات كأيّ مسيحيّة. ثمّ عاشت التناقضات بين مكانين، أحدهما كانت تنشد الهروب إليه «أمريكا» والآخر كانت تنشد الهروب منه «إيران»، حيث كانت تعامَل في إيران على أنّها غريبة، في بيتها، مدرستها، محيطها، ثمّ انتقلت غربتها معها إلى أمريكا، وتعاظمت هناك، حيث كانت السرعة تسم كلّ شيء، الصداقات، العلاقات، وجدت نفسها وحيدة، لم تستطع التأقلم بداية مع السرعة التي تتمّ بها الأمور، لكنّها توفّقت في الزواج من زوج يهوديّ مجنّس بالجنسيّة الأمريكيّة، نجحت معه في تأسيس عائلة صغيرة، ولدت بنتاً أسمتها ليلى، حيث صار الاسم وبالاً عليها، أي أورثت الغربة التي توارثتها من أمّها إلى ابنتها، فلم تكن الغريبة فقط، بل نقلت جينة الغربة إلى ابنتها، وكأنّما كُتب على المرأة الإيرانيّة أن تبقى غريبة في كلّ مكان..
كانت ناهيد التي أنشدت في سرّها وهي تغادر إلى أمريكا «أنا حرّة حرّة حرّة»، تتَّهم في إيران بأنّها منفتحة، ثمّ اتّهمت في أمريكا بأنّها منغلقة، أي أنّ النظرة المختلفة سجنتها في كلا المكانين، كانت «هنا - إيران» ، أسيرة «هناك - أمريكا» بالتمنّي، وظلّت «هناك» أسيرة «هُنا:ها» التي نقلتها معها إلى هناك بالإرغام والإعلام. لم تصبح حرّة كما أنشدت، بل نقلت أسرها معها، كما لم يفرَّق في أمريكا بين إيرانيّ معارض أو موالٍ، نُظر إلى الجميع على أنّه متخلّف وإرهابيّ، لاسيّما بعد ثورة الخمينيّ، وأزمة الرهائن في السفارة الأمريكيّة إبّانها، ثمّ الحرب الإيرانيّة العراقيّة التي دامت ثماني سنوات.. وعندما تعود ناهيد إلى إيران ترى الأمكنة والنساء متّشحات بالسواد، كأنّما الحياة قد تعطّلت هناك، تبحث عن صالون التجميل لتسأل عن «أذار» صديقة أختها باري، لكنّها تُصدَم بإغلاق الصالون.. وتكون كلّها نذر التضييق المقبل.. تسرد تاريخاً من البؤس في الختام عندما تكتب: «عندما توفّي الخميني في سنة 1989، لم تعد الأمور متشدّدة كما كانت في عهده. لم يطرأ أيّ تحسّن على العلاقات الأميركيّة – الإيرانيّة. وقد سمّى الرئيس بوش في خطاب حالة الاتّحاد 29 كانون الثاني 2002 إيران إلى جانب العراق وكوريا الشماليّة «محور الشرّ»، ويوجد الآن في تشرين الثاني 2006، توتّر شديد بشأن الأسلحة النوويّة التي تصنع في إيران. أعرف أنّ الأمور في إيران لم تتحوّل من الخير إلى الشرّ، وإنّما من سيّئ إلى ربّما ما هو أسوأ. تحت حكم الشاه، كان الشعب محروماً من كلّ الحقوق تقريباً. وقد شهدتُ كيف فقدت شقيقتي حضانة ابنها عندما تركت زوجاً مسيئاً، وفي ولايَتَي رئاسة الدكتور محمّد خاتمي «1997- 2005»، شهدت إيران فترة من الإصلاح النسبيّ، ويرجع جزء من ذلك إلى أنّ خاتمي منح أعداداً كبيرة من الإيرانيّين فرصة الوصول إلى الإنترنت. فصارت النساء يتردّدن على مئات مقاهي الإنترنت في المدن الكبيرة في إيران ويشتركن في المنتديات ويتعرّفن إلى أنماط حياة مختلفة» ص299.. يظهر هذا المقطع الطويل نسبيّاً، التطوّر البطيء الذي يتسرّب إلى المجتمع الإيرانيّ، الذي يقف سدَنة الدين فيه ضدّ ما قد يسلب منهم امتيازاتهم، كونهم قد تنصّبوا آلهة تطلق الفتاوى التي تحلّل وتحرّم..
 
 
عبر سرد تاريخ عائلة متأثّرة لا مؤثّرة أو فاعلة في الأحداث الكبرى، وعبر ثنائيّات عديدة، منها الداخل والخارج، وكلّ منهما بدوره ينقسم على نفسه وبنفسه إلى داخل وخارج، يكون العنف والعنف المضادّ، القمع المتتالي، الحجر والمنع، القبول والرفض. ورغم ما تلاقيه ناهيد والنساء الأخريات، أمّها، خالاتها، أخواتها، صديقاتها، لكنّهنّ يبقين مرتبطات بالوطن الذي لا يشبهه شيء، والذي يبقى أكبر من كلّ شيء، «الوطن هو الوطن، على الرغم من كلّ مشاكله». ص295. تتوثّق بينهنّ علاقات، بعد حياة مديدة، يكون القمع والتهميش وعدم الإنصاف من بعض سماتها الأساسيّة. تسعى ناهيد رشلان بكتابتها الاقتصاص لبنات وطنها، الاقتصاص لباري التي ترك غيابها ثقباً في وجودها، زاده عمقاً ودكنة عدم اليقين الذي يكتنف ما حدث وكيف حدث. كأنّما كلّ مظلومة هي باري التي تجسّد مآسي المرأة الإيرانيّة، الحالمة التي تقتلها أحلامها البسيطة. «أجل يا عزيزتي باري، لأعيدك إلى الحياة كتبتُ هذا الكتاب». ص303. هنا تذكّر بكتب لإيزابيل الليندي منها «باولا» التي كتبتها عن ابنتها التي تعرّضت لحادث أبقاها في سرير الموت أشهراً، و«بيت الأرواح» التي سردت فيها تاريخ نساء عائلتها..
أمّا من ناحية النماذج الذكوريّة فإنّ الموردة منها تكاد أن تكون سلبيّة بمجملها، يكون ذلك حال معظم الرجال الذين مرّوا أو أثّروا في حياتها أو حياة إحدى أخواتها أو قريباتها، أو نساء بلدها، بدءاً من والدها وأخويها اللامباليين، مروراً بأزواج أختيها وخالتها، والشاه ثمّ الخمينيّ ثمّ مَن خلفه ثمّ مَن التقت بهم أو تعرّفت إليهم من عشّاق عابرين، وصولاً إلى ابن أختها باري «بيجان» الذي كان واقعاً تحت تأثير والده. يُستثنَى من هذه الخانة زوجها اليهوديّ الأمريكيّ «هاوي»، كأنّها تؤكّد بهذا الزواج المستمرّ والناجح إمكانيّة نجاح حوار الأديان لكن بشروط منها التسامي على العقليّة الإقصائيّة، وأنّ ذلك لا يكون ذلك ممكناً سوى بفكر حرّ وعقل نيّر متبصّر غير مرهون لسلطة الماضي ولا لسلطة أيّ إله، سوى إله العلم والتسامح ورغبة العيش المشترك في المستقبل المنشود..
تختصر «بنات إيران»، التي تتحوّل في بعض فصولها الأخيرة إلى تقارير إخباريّة تاريخيّة، سيرة إيران من وجهة نظر فتاة مهمّشة، تلاعبت بها الظروف، تسرد كثيراً من الأحداث، المؤامرات، الدسائس، التي مرّت على إيران طيلة ستّة عقود، نقلت التغييرات التي طالت بنى المجتمع كلّها، تلك التي نقلتها من سلطة الشاه إلى سلطة الخميني فالخامنئي، من قبضة السافاك إلى قبضة الباسيج والحرس الثوريّ، عرّجت على الأحداث التي شكّلت منعطفات مصيريّة في تاريخ إيران قبل تحوّله من حكم الشاه إلى الجمهوريّة الإسلاميّة، ذكرت الكثير من مآسي الفساد التي امتدّ استشراؤها ووباؤها من العهد القديم إلى الجديد، الذي ضاعف القمع على النساء، وكأنّ الثورات والانقلابات، مهما اختلفت وانقلبت وتباينت في شعاراتها، فإنّها تتّفق على قمع الحرّيات عموماً، وحرّيّة المرأة خصوصاً.
 
 
«بنات إيران» رواية واقعيّة، مدعومة بالصور، تسرد تاريخ إيران الحديث، تفضح الأنظمة والحكومات المتعاقبة التي لم تنصف المرأة، التي ظلّت مقموعة ومقبوعة ومركونة وملقاة في قعر بئر الإصلاحات المرتقبة التي يتوجّب عليها أن تزيل أسيجة الشادورات عن عقلها قبل رأسها..
* نُشرت الرواية بالإنكليزيّة 2006، نشرتها بالعربية «دار الكتاب العربي»، ترجمة عمر الأيوبي في 2008. تقع في 303 صفحة من القطع الوسط.
نانسي

ليست هناك تعليقات: